صاحب الحطب وقصة الكفاح وردِّ الجميل
حكايةٌ حقيقية من الشماسية وبريدة والكويت؛ تُضيءُ معنى الكرم والصبر والوفاء.
حدَّث حمد الريش من أهل الشماسية قال: كنتُ جَمّالًا أحتطب على بعيري وأبيع الحطب في بريدة. وذات يوم جلبتُ الحمل إلى السوق، فإذا بالحطب كثيرٌ ولم يُسَمَّ حطبي أحد. كانت العادة أن أبيع الحِمل بريال ونصف أو ريال وثلث فرانسي، ولمّا انفضّ السوق رآني صاحب دكان من آخر من أغلق فقال: «تبيع حمل الحطب بريال وبيشليتين؟» والبيشلية كالقرش اليوم. قلت: نعم، فليس لي غير ذلك.
كنتُ على جوعٍ شديد، فلما فرغتُ من إدخال الحطب قلت: «ما هنا هجور؟» فقال: «أنا الآن مشغول، وإذا اشترينا منك مرة ثانية هجرناك.»
خرجتُ على بعيري لا أكاد أُبصر الأرض من الجوع قاصدًا الشماسية. مررتُ بمحل صالح الفوزان في خُضيرا وقت المغرب، وكان عقب مطرٍ خفيفٍ والهواء باردًا. ما إن رآني حتى قال برفق: «يا ولدي، نوّخ بعيرك في ذُرَى الجدار وتعال.» أدخلني قهوته، أشعل النار تحت الدلة، وقدّم تمراً ما رأيتُ أطيب منه. خرجتُ أطمئن على بعيري فإذا عنده علفٌ يكفيه، فهدأ قلبي. ثم قهواني، وجاء عشاؤهم جريشًا فأكلت حتى شبعت.
سرتُ طول الليل حتى وصلت الشماسية مع الفجر. قلت لزوجتي: «ردّي ما استعرتِه للناس.» ولم يلبث أن صار كل شيءٍ جاهزًا؛ جهزتُ المحامل، وضعتُ طفلين أحدهما ابن أربع سنين في محمل، وزوجتي في الآخر، وركبتُ بعيري قاصدًا الكويت قائلاً: «ما يمكن نقعد بديرةٍ نجوع فيها مع الشقاء.»
عند جال الشماسية رأيتُ رجلين من أهل بلدنا يمشيان على الأقدام إلى الكويت، وليس معي إلا تمر وجريش قدرته يكفينا. رجعتُ إلى البازعي في الربيعية، أخبرته بالقصة – فالقوم يستحيون السؤال – فأعطاني لهم تمرًا كثيرًا حملتُه على البعير، فكفانا زادًا إلى الكويت.
في الكويت بدأ حمد عمله من الصفر في صناعة الجصّ، وجنّد معه عمّالًا، حتى ربح واشتد عوده، وصار يوظف عنده عمّالًا من كبار الأسر في بريدة. غير أنه لم ينسَ معروف صالح الفوزان؛ فأرسل إليه رسالةً ومعها مشلحٌ طيّب على قدر قامته، ورِطل عودٍ من أجود البخور، ومقدارٌ من القهوة والهيل، وقال في كتابه: «هذه هدية لكم.»
الخيرُ الذي يُزرَع في القلب لا يضيع؛ قد يغيِّر مسار حياةٍ كاملة.
✨ خلاصة القصة: صنع الكرمُ دفئًا في ليلة باردة، فأثمرت شجاعةُ القرار رحلةَ كفاح، وخُتم الطريقُ بوفاءٍ جميل. قصة «صاحب الحطب» صفحة من تراثنا تُذكّر بأن معونة المحتاج اليوم قد تُنبت غدًا رجالًا يَحمِلون المعروف إلى العالم.